الأربعاء، 23 أبريل 2014

تحليل قصيدة في سؤال الذات (إدريس الجاي) التحليل للأستاذ الأخ الفاضل مشكورا فريد أمعضشو منشور في طنجة الأدبية. منقول للفائدة جازاه الله خيرا عن هذا العمل


     
دخل الشعر العربي الحديث ،بعد الإحيائيين، مرحلة جديدة عمل شعراؤها على تحديث القصيدة العربية وتجديدها وتطويرها مضموناً وشكلاًK مُسايريـن بذلك التحولات الكثيرة التي شهدها الوطن العربي في مجالات عديدة، و متأثرين بالشعر الغربي الذي أعْـقب الشعر الكلاسيكي. و هكذا، جاءت أشعارُهم متمحْورةً حول الذات المُبْـدعة، ومتحرِّرة ، بدرجات متفاوتة، من تقاليد القصيدة العربية القديمة. و قد انتظم الشعراء الرومانسيون العرب في تيارات معروفة (جماعة الديوان – تيار الرابطة القلمية – جماعة أبّولو)، و انتشروا في مناطق متعددة مشرقاً و مغرباً و مهجراً. و من هؤلاء في المغرب الشاعر إدريس الجاي (1923 – 1978م) الذي أقام مدة من الزمن في فرنسا، أتيحَ له خلالها الاطلاعُ على آثار بعض الرومانسيين الغربيين، من أمثال فيكتور هيجو و لامارتين، و قد ترك ديواناً شعرياً عنوانُه "السوانح"، قدّم له المرحوم عبد الله ﮔنون، و صدرت طبعته الأولى عام 1971، والثانية عام 1998 بالرباط. والقصيدة التي نحن بصدد دراستها، من النصوص التي اقتطفت من هذا الديوان. فما ملامح التّوجُّه الرومانسي/ الذاتي فيها؟  وما مظاهرُ حضور الذات فيها؟ و إلى أيّ حدّ تعكس خصائص الاتجاه الشعري الوُجْداني مضموناً و شكلاً؟

      تُعلن القصيدة المدروسة عن انتمائها إلى هذا الاتجاه منذ أولى عتباتها، و هي العنوان الذي ورد في صورة جملة اسمية مكوَّنة من وَحدتين رئيستيْن تُحيلان إلى ثيمتيْن مركزيتين في الشعر الوجداني؛ أولاهما (تأملات) تشير إلى الذات الفردية، و الثانية (الساحل) إلى الطبيعة. و تؤيّد كلامَنا هذا مؤشراتٌ أخرى من خارج النص (كصاحب النص) و من داخله (كالبيت الثالث مثلا)، إلى جانب هيكلها وشكلها الهندسي الذي جمع بين التقليد والتجديد؛ إذ حافظ على نظام الشطرين المتناظرين المعروف في الشعر القديم، و لكنه قام على نظام المقاطع ونوَّع في القوافي وأحرف الروي.
    
      ويتضح لنا، بعد قراءة القصيدة بتأنٍّ، أن الشاعر يصف حزنَه وقلقه وحيْرته أثناء وقوفه على الساحل خاشعاً متأمِّلا مُناجياً الطبيعةَ بعد أنِ اخْتلى وفرّ من عالم الناس المَليء بالمظاهر السَّلبية قاصِداً شاطئَ البحر ،حيث الحياة والهدوء والسكونُ، ليَتوَحّد معه ويذوب في غمرته، وليَـبُثه أحزانَه علَّـه يُخفِّف عنه معاناتَه. والواقعُ أن القصيدة يحْكُمها موضوع واحدٌ، رغم انطوائها على جملة من الأحاسيس والمعاني الجزئية التي تتضافر لخدمة ذلك الموضوع العامّ (التعبير عن تجربة ذاتية). وتجسِّد هذه الخَصيصة إحدى أهم مِيزات الشعر الوجداني على المستوى البنائي (الوحدة الموضوعية والعُضوية.
    وقد تجسّدت هذه المعاني من خلال تواتُر حقلين دلاليين أساسيين في النص؛ أحدُهما مرتبط بالذات الشاعرة، وهو المُهيْمِن، وتدل عليه ألفاظ كثيرة منها: وقفت – خَشوعاً – أناجي – غصني – وحيداً – تأوّهت – أذهل – خلوت – أسائل... والآخرُ مرتبط بالطبيعة، ولاسيما الصامتة، وتدل عليه ألفاظ نصّية عدة منها: الساحل – الرمال – الثمار – الشاطئ – البحر – النجوم – الليل... وبين الحقلين ترابطٌ واضح يَصِلُ حدَّ الذوبان و توحُّد الذات في سكون الطبيعة؛ كما يدل على ذلك مضمونُ المقطع النصيّ الأخير (نظرية الحلول). إن لغة القصيدة سَلِسَة سهلة مثل حياة الطبيعة تماماً، وتمتحُ من التجربة ومن قاموس الطبيعة لا من القاموس الشعري القديم كما لدى الشعراء الإحيائيين المقلِّدين لأسلافهم. و تلك خاصية أخرى من خصائص الشعر الذاتي على مستوى المعجم اللغوي.

      وللتعبير عن تجربته الوجدانية، توسَّـل الشاعرُ بعدد من الصور البَيَانية التي صاغها خياله التوليديّ الخصبُ؛ من مثل الصورة التشبيهية الواردة في البيت الثامن (بِتُّ كالساحر أبَخّر من همَساتِي العِطَر)، والصورة الاستعارية في البيت الخامس عشر (فكان الصدى أخرساً لا يَبين)، والصورة المَجازية في عَجُز البيت الثالث (أصيد من الوَهْم عاتيَ الخيال). كما زاوج ،أسلوبياً، بين الخبر – و هو المهيمن في القصيدة لرغبة الشاعر في إخبارنا بمعاناته وبما يختلج في نفسه من إحساساتٍ – والإنشاء الذي تجَلى في استخدامه أسلوبَ الاستفهام في المقطعين الثالث والرابع للتعبير عن قلقه وحيرته وتمزقه النفسي.

      من الناحية الإيقاعية، نَظَمَ الشاعـر نصّه كلَّه على منوال المتقارب التام الذي يقوم نَسَقه الموسيقي على تكرار تفعيلة "فعولن" ثماني مراتٍ، و هو بحر خليلي صافٍ يمتاز بتقارب أجزائه و برنّته الواضحة، ناسَب إلى حد كبير موضوع القصيدة الوجداني، ونوَّع قوافيَه؛ بحيث جاءت قافية المقاطع 1 و 4 و 5 مقيّدة مترادفة، على وزن (-00)، مُرْدَفة بالألف تارة وبالياء تارة وبالواو تارة أخرى، وجاءت قافية المقطعين 2 و 3 مقيدة، من المتدارك، على وزن (-0- -0)، وغير مردفة. ويأتي تنوّع قوافي القصيدة تابعاً لتعدد معانيها الجزئية وتبدّلها. كما تتميز القصيدة بتنوع أحرف الروي فيها بين اللام والراء والميم والنون والعين، وهي أحرف متجانسة تلائم موضوع القصيدة. وتتأسَّس موسيقى النص الداخلية على التَّكْرار بأنواعه؛ إذ تكررت فيه جملة من الأصوات الهامسة ،كالسين مثلا (29 مرة)، والتي تكشف عن حالة الشاعر الوجدانية، ومن حروف المَدّ التي يمتدّ الصوت عند تحقيقها مصوِّراً هذه الحالة الحزينة، ومن المفرَدات (الشاطئ – سكون – الصدى- الليل...)، ومن العبارات؛ كما في البيت الثاني عشر (أهذا من الأمس ذكرى). و لظاهرة التكرار وظيفة مزْدوجة في النص؛ إحداهما دلالية تتمثل في تأكيد معانٍ بعينها والرغبة في ترسيخها في الأذهان، والأخرى إيقاعية تتجلى في خلق انسجام صوتي داخل القصيدة وفي إثراء جَرْسها الموسيقي. وقد أسهمت في تأدية هذه الوظيفة كذلك ظاهرة التوازي، ومثالها البيت 12 (تواز تركيبي تام + تواز دلالي بالتضادّ + تواز أفقي أحادي)، وكذا الجِناس؛ مثلما نجد بين كلمتي "الساهر" و"الساحر" (جناس غير تامّ).
       اِنطلاقاً مما سبق، يتبدّى لنا الحضور القوي للذات في القصيدة المدروسة؛ ذلك بأن الشاعر عبّر فيها عن تجربته الوُجدانية وعن حيرته وقلقه وتمزُّقه وعلاقته بالطبيعة المُحيطة به؛ بوصفها مرآةً عاكسة لتجربته تلك، وملاذاً له من قسوة الواقع وصَخَبه. وعليه، فالقصيدة اتخذت لها موضوعاً واحداً جديداً جعل الذات الشاعرة بُؤرته، بعيداً عن الأغراض التقليدية المعهودة. واعتمد الجاي  معجماً متحرراً من صرامة لغة الأقدمين وصلابتها، وصوراً فنية تمتح من التجربة لا من الذاكرة وتروم التعبير عن ذاتية الشاعر، وإيقاعاً موسيقياً حافظ على بعض أصول القصيدة العربية القديمة (كوحدة الوزن)، وخَرَق أصولاً أخرى (عدم التقيُّد بوَحدة القافية و الروي).

      وفي الختام، نخلص إلى أن هذه القصيدة أنموذجٌ للشعر الوُجداني، تمثلت خصائصه المضمونية والفنية، و إن صاحبَها ليعدّ واحداً من ممثِّلي هذا التيار الشعري في المغرب وأعلامه البارزين إلى جانب محمد الصبّاغ (من دواوينه التي يطغى عليها النَّـفَس الرومانسي نذكر "شجرة النار" و"أنا والقمر" و"شجرة محار" و"دفقات")، وعبد المجيد بنجلون؛ صاحب ديوان "براعم" (1964)، وعبد الكريم بنثابت؛ صاحب ديوان "الحرية" (1968)، والراحل مصطفى المعداوي الذي تأثر في كثير من نصوص ديوانه بالشعراء المَهْجَريّين، ولاسيما فيما يخص كيفية تعامله مع الطبيعة.

هناك 26 تعليقًا:

  1. جميل جددددددددددددددددددددددددددددددددددااااااااأااااااااأ

    ردحذف
  2. جميل جددددددددددددددددددددددددددددددددددااااااااأااااااااأ

    ردحذف
  3. جميللللللللللللللللللل

    ردحذف
  4. جزاك الله خيرا يا هامل

    ردحذف
  5. تحية لصلحاوي زامل

    ردحذف
  6. صلحاوي خاص لي يحويه

    ردحذف
  7. صلحاوي خاص لي يحويه

    ردحذف
  8. صلحاوي خاص لي يحويه

    ردحذف
  9. ناطوسي ولد الحواية

    ردحذف
  10. bghina xi haja li tkon sahla had byn maxi dyl neveu dyalna omrc

    ردحذف
  11. معقد هدشي اعيدو النظر!!!

    ردحذف
  12. شكرا جزيلا لكم على هدا المجهود الجبار

    ردحذف
  13. عارفك ا douzi اتكون كتنقل من هنا 😂😂

    ردحذف